كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



{وأصلح بالهم}.. وإصلاح البال نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في القدر والقيمة والأثر. والتعبير يلقي ظلال الطمأنينة والراحة والثقة والرضى والسلام. ومتى صلح البال، استقام الشعور والتفكير، واطمأن القلب والضمير، وارتاحت المشاعر والأعصاب، ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام.. وماذا بعد هذا من نعمة أو متاع؟ ألا إنه الأفق المشرق الوضيء الرفاف.
ولم كان هذا وكان ذاك؟ إنها ليست المحاباة. وليست المصادفة. وليس الجزاف. إنما هو أمر له أصله الثابت، المرتبط بالناموس الأصيل الذي قام عليه الوجود يوم خلق الله السماوات والأرض بالحق، وجعل الحق هو الأساس:
{ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم}..
والباطل ليست له جذور ضاربة في كيان هذا الوجود؛ ومن ثم فهو ذاهب هالك؛ وكل من يتبعه وكل ما يصدر عنه ذاهب هالك كذلك.
ولما كان الذين كفروا اتبعوا الباطل فقد ضلت أعمالهم، ولم يبق لهم منها شيء ذو غناء.
والحق ثابت تقوم عليه السماوات والأرض، وتضرب جذوره في أعماق هذا الكون. ومن ثم يبقى كل ما يتصل به ويقوم عليه. ولما كان الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم، فلا جرم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم.
فهو أمر واضح مقرر يقوم على أصوله الثابتة، ويرجع إلى أسبابه الأصيلة. وما هو فلتة ولا مصادفة ولا جزاف {كذلك يضرب الله للناس أمثالهم}. وكذلك يضع لهم القواعد التي يقيسون إليها أنفسهم وأعمالهم. فيعلمون المثل الذي ينتمون إليه ويقاسون عليه. ولا يحتارون في الوزن والقياس!
ذلك الأصل الذي قررته الآية الأولى في السورة، يرتب عليه توجيه المؤمنين لقتال الكافرين. فهم على الحق الثابت الذي ينبغي أن يتقرر في الأرض، ويستعلي ويهيمن على أقدار الناس والحياة ليصل الناس بالحق وليقيم الحياة على أساسه. والذين كفروا على الباطل الذي ينبغي أن يبطل وتذهب آثاره من الحياة:
{فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّاً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها}..
واللقاء المقصود في الآية هنا هو اللقاء للحرب والقتال لا مجرد اللقاء. فحتى نزول هذه السورة كان المشركون في الجزيرة منهم المحارب ومنهم المعاهد؛ ولم تكن بعد قد نزلت سورة براءة التي تنهي عهود المشركين المحددة الأجل إلى أجلها، والمطلقة الأجل إلى أربعة أشهر؛ وتأمر بقتل المشركين بعد ذلك أنى وجدوا في أنحاء الجزيرة- قاعدة الإسلام- أو يسلموا. كي تخلص القاعدة للإسلام.
وضرب الرقاب المأمور به عند اللقاء يجيء بعد عرض الإسلام عليهم وإبائهم له طبعاً. وهو تصوير لعملية القتل بصورتها الحسية المباشرة، وبالحركة التي تمثلها، تمشياً مع جو السورة وظلالها.
{حتى إذآ أثخنتموهم فشدوا الوثاق}..
والإثخان شدة التقتيل، حتى تتحطم قوة العدو وتتهاوى، فلا تعود به قدرة على هجوم أو دفاع. وعندئذ- لا قبله- يؤسر من استأسر ويشد وثاقه. فأما والعدو ما يزال قوياً فالإثخان والتقتيل يكون الهدف لتحطيم ذلك الخطر.
وعلى هذا لا يكون هناك اختلاف- كما رأى معظم المفسرين- بين مدلول هذه الآية، ومدلول آية الأنفال التي عاتب الله فيها الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين لاستكثارهم من الأسرى في غزوة بدر. والتقتيل كان أولى. وذلك حيث يقول تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} فالإثخان أولاً لتحطيم قوة العدو وكسر شوكته؛ وبعد ذلك يكون الأسر.
والحكمة ظاهرة، لأن إزالة القوة المعتدية المعادية للإسلام هي الهدف الأول من القتال. وبخاصة حين كانت القوة العددية للأمة المسلمة قليلة محدودة. وكانت الكثرة للمشركين. وكان قتل محارب يساوي شيئاً كبيراً في ميزان القوى حينذاك. والحكم ما يزال سارياً في عمومه في كل زمان بالصورة التي تكفل تحطيم قوة العدو، وتعجيزه عن الهجوم والدفاع.
فأما الحكم في الأسرى بعد ذلك، فتحدده هذه الآية. وهي النص القرآني الوحيد المتضمن حكم الأسرى:
{فإما منّاً بعد وإما فداء}..
أي إما أن يطلق سراحهم بعد ذلك بلا مقابل من مال أو من فداء لأسرى المسلمين. وإما أن يطلق مقابل فدية من مال أو عمل في نظير إطلاق سراح المسلمين المأسورين.
وليس في الآية حالة ثالثة. كالاسترقاق أو القتل. بالنسبة لأسرى المشركين.
ولكن الذي حدث فعلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده استرقوا بعض الأسرى- وهو الغالب- وقتلوا بعضهم في حالات معينة.
ونحن ننقل هنا ما ورد حول هذه الآية في كتاب (أحكام القرآن للإمام الجصاص الحنفي) ونعلق على ما نرى التعليق عليه في ثناياه. قبل أن نقرر الحكم الذي نراه:
* قال الله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} قال أبو بكر قد اقتضى ظاهره وجوب القتل لا غير إلا بعد الإثخان. وهو نظير قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} (وهذا صحيح فليس بين النصين خلاف).
* حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحكم قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان. قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة. عن ابن عباس في قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} قال: ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى: {فإما منّاً بعد وإما فداء}.. فجعل الله النبي والمؤمنين في الأسارى بالخيار. إن شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادوهم. شك أبو عبيد في.. وإن شاءوا استعبدوهم.. (والاستعباد مشكوك في صدور القول به عن ابن عباس فنتركه. وأما جواز القتل فلا نرى له سنداً في الآية وإنما نصها المن أو الفداء).
* وحدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا أبو مهدي وحجاج، كلاهما عن سفيان. قال: سمعت السدي يقول في قوله: {فإما منّاً بعد وإما فداء}.. قال: هي منسوخة، نسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} قال أبو بكر: أما قوله: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب}.. وقوله: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}. وقوله: {فإما تثقفنَّهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}
فإنه جائز أن يكون حكماً ثابتاً غير منسوخ. وذلك لأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالإثخان في القتل وحظر عليه الأسر- إلا بعد إذلال المشركين وقمعهم- وكان ذلك وقت قلة عدد المسلمين وكثرة عدد عدوهم من المشركين، فمتى أثخن المشركون وأذلوا بالقتل والتشريد جاز الاستبقاء. فالواجب أن يكون هذا حكماً ثابتاً إذا وجد مثل الحال التي كان عليها المسلمون في أول الإسلام. (ونقول: إن الأمر بقتل المشركين حيث وجدوا خاص بمشركي الجزيرة. بينما النص في سورة محمد عام. فمتى تحقق الإثخان في الأرض جاز أخذ الأسارى. وهذا ما جرى عليه الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد نزول سورة براءة بطبيعة الحال، ولم يقتلوهم إلا في حالات معينة سيأتي بيانها)..
* وأما قوله: {فإما منّاً بعد وإما فداء}.. ظاهره يقتضي أحد شيئين: من أو فداء. وذلك ينفي جواز القتل. وقد اختلف السلف في ذلك. حدثنا حجاج عن مبارك بن فضالة عن الحسن أنه كره قتل الأسير، وقال: منّ عليه أو فاده. وحدثنا جعفر قال: حدثنا أبو عبيد قال: أخبرنا هشيم. قال: أخبرنا أشعث قال: سألت عطاء عن قتل الأسير فقال: منّ عليه أو فاده قال: وسألت الحسن. قال: يصنع به ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى بدر، يمن عليه أو يفادي به. وروي عن ابن عمر أنه دفع إليه عظيم من عظماء اصطخر ليقتله، فأبى أن يقتله، وتلا قوله: {فإما منّاً بعد وإما فداء}.. وروي أيضاً عن مجاهد ومحمد بن سيرين كراهة قتل الأسير. وقد روينا عن السدي أن قوله: {فإما منّاً بعد وإما فداء} منسوخ بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وروي مثله عن ابن جريج. حدثنا جعفر قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: هي منسوخة. وقال: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة ابن أبي معيط يوم بدر صبراً، قال أبو بكر: اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير لا نعلم بينهم خلافاً فيه، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله الأسير، منها قتله عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث بعد الأسر يوم بدر. وقتل يوم أحد أبا عزة الشاعر بعدما أسر. وقتل بني قريظة بعد نزولهم على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بالقتل وسبي الذرية. ومنَّ على الزبير بن باطا من بينهم، وفتح خيبر بعضها صلحاً وبعضها عنوة، وشرط على ابن أبي الحقيق ألا يكتم شيئاً، فلما ظهر على خيانته وكتمانه قتله. وفتح مكة وأمر بقتل هلال بن خطل، ومقيس بن حبابة، وعبد الله بن أبي سرح، وآخرين، وقال: «اقتلوهم وإن جدتموهم متعلقين بأستار الكعبة» ومنَّ على أهل مكة ولم يغنم أموالهم. وروي عن صالح ابن كيسان عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع أبا بكر الصديق يقول: «وددت أني يوم أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته، وكنت قتلته سريحاً، أو أطلقته نجيحاً». وعن أبي موسى أنه قتل دهقان السوس بعدما أعطاه الأمان على قوم سماهم ونسي نفسه فلم يدخلها في الأمان فقتله. فهذه آثار متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة في جواز قتل الأسير وفي استبقائه. واتفق فقهاء الأمصار على ذلك. (وجواز القتل لا يؤخذ من الآية، ولكن يؤخذ من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة. وتتبع الحالات التي وقع فيها القتل يعطي أنها حالات خاصة، وراءها أسباب معينة غير مجرد التعرض للقتال والأسر. فالنضر بن حارث وعقبة بن أبي معيط كلاهما كان له موقف خاص في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذاء دعوته. وكذلك أبو عزة الشاعر، ولبني قريظة كذلك موقف خاص بارتضائهم حكم سعد بن معاذ سلفاً. وهكذا نجد في جميع الحالات أسباباً معينة تفرد هذه الحالات من الحكم العام للأسرى الذي تقرره الآية: {فإما منّاً بعد وإما فداء})..
* وإنما اختلفوا في فدائه، فقال أصحابنا جميعاً (يعني الحنفية): لا يفادى الأسير بالمال، ولا يباع السبي من أهل الحرب فيردوا حرباً. وقال أبو حنيفة: لا يفادون بأسرى المسلمين أيضاً، ولا يردون حرباً أبداً. وقال أبو يوسف ومحمد: لا بأس أن يفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين. وهو قول الثوري والأوزاعي، وقال الأوزاعي: لا بأس ببيع السبي من أهل الحرب، ولا يباع الرجال إلا أن يفادى بهم المسلمون. وقال المزني عن الشافعي: للإمام أن يمن على الرجال الذين ظهر عليهم أو يفادي بهم، فأما المجيزون للفداء بأسرى المسلمين وبالمال فإنهم احتجوا بقوله: {فإما منّاً بعد وإما فداء} وظاهره يقتضي جوازه بالمال وبالمسلمين؛ وبأن النبي صلى الله عليه وسلم فدى أسارى بدر بالمال. ويحتجون للفداء بالمسلمين بما روى ابن المبارك، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران ابن حصين. قال: أسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عامر ابن صعصعة؛ فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو موثق، فناداه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام أحبس؟ قال: «بجريرة حلفائك». فقال الأسير: إني مسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح». ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه أيضاً، فأقبل، فقال: إني جائع فأطعمني. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه حاجتك». ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما.
(وحجة القائلين بالفداء أرجح في تقديرنا من حجة أصحاب الإمام الجصاص على الاختلاف في الفداء بالمال أو بأسرى المسلمين).
* وقد ختم الإمام الجصاص القول في المسألة بترجيح رأي أصحابه الحنفية قال: وأما ما في الآية من ذكر المن والفداء، وما روي في أسارى بدر فإن ذلك منسوخ بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقد روينا ذلك عن السدي وابن جريج. وقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فتضمنت الآيتان وجوب القتال للكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية. والفداء بالمال أو بغيره ينافي ذلك. ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة محمد صلى الله عليه وسلم فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخاً للفداء المذكور في غيرها.. (وقد سبق القول بأن هذا القتل للمشركين- أو الإسلام- مقصود به مشركو الجزيرة فهو حكم خاص بهم. أما غيرهم خارجها فتقبل منهم الجزية كما تقبل من أهل الكتاب. وقبول الجزية عند التسليم لا ينفي أن يقع الأسرى في أيدي المسلمين من قبل التسليم. فهؤلاء الأسرى ما الحكم فيهم؟ نقول: إنه يجوز المن عليهم إذا رأى الإمام المصلحة، أو الفداء بهم بالمال أو بالمسلمين، إذا ظل قومهم قوة لم تستسلم بعد ولم تقبل الجزية. فأما عند الاستسلام للجزية فالأمر منته بطبيعته وهذه حالة أخرى، فحكم الأسرى يظل سارياً في الحالة التي لم تنته بالجزية).
والخلاصة التي ننتهي إليها أن هذا النص هو الوحيد المتضمن حكم الأسرى. وسائر النصوص تتضمن حالات أخرى غير حالة الأسر. وأنه هو الأصل الدائم للمسألة. وما وقع بالفعل خارجاً عنه كان لمواجهة حالات خاصة وأوضاع وقتية. فقتل بعض الأسرى كان في حالات فردية يمكن أن يكون لها دائماً نظائر؛ وقد أخذوا بأعمال سابقة على الأسر، لا بمجرد خروجهم للقتال. ومثال ذلك أن يقع جاسوس أسيراً فيحاكم على الجاسوسية لا على أنه أسير. وإنما كان الأسر وسيلة للقبض عليه.
ويبقى الاسترقاق. وقد سبق لنا في مواضع مختلفة من هذه الظلال القول بأنه كان لمواجهة أوضاع عالمية قائمة، وتقاليد في الحرب عامة. ولم يكن ممكناً أن يطبق الإسلام في جميع الحالات النص العام: {فإما منَّا بعد وإما فداء}.
في الوقت الذي يسترق أعداء الإسلام من يأسرونهم من المسلمين. ومن ثم طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الحالات فأطلق بعض الأسارى مناً. وفادى ببعضهم أسرى المسلمين، وفادى بعضهم بالمال. وفي حالات أخرى وقع الاسترقاق لمواجهة حالات قائمة لا تعالج بغير هذا الإجراء.
فإذا حدث أن اتفقت المعسكرات كلها على عدم استرقاق الأسرى، فإن الإسلام يرجع حينئذ إلى قاعدته الإيجابية الوحيدة وهي: {فإما منَّا بعد وإما فداء} لانقضاء الأوضاع التي كانت تقضي بالاسترقاق. فليس الاسترقاق حتمياً، وليس قاعدة من قواعد معاملة الأسرى في الإسلام.
وهذا هو الرأي الذي نستوحيه من النص القرآني الحاسم. ومن دراسة الأحوال والأوضاع والأحداث.. والله الموفق للصواب.